س: أرى بعض الناس يصلون ركعتين بعد أذان المغرب وقبل إقامة الصلاة، فما حكم هاتين الركعتين، هل هما تحية للمسجد، أم سنة للمغرب؟
ج: ليس للمغرب سنة قبلية راتبة أي مؤكدة.
فإن السنن المؤكدة -كما روى ابن عمر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتان قبل الصبح، وركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء(متفق عليه).
فهذه هي الركعات العشر الراتبة، التي كان يواظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي السنن المؤكدة، ومعها أيضا الوتر. وفي بعض الأحاديث جعلت الركعتان قبل الظهر أربعا.
هذه السنن ينبغي أن يحافظ عليها المسلم، وألا يهملها، لأنها تعتبر تكملة للفرض، وتعويضا عما قد يحدث فيه من خلل وتقصير، وجبرا له يوم الحساب والجزاء عند الله تعالى.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (بين كل أذانين صلاة)(رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن عن عبد الله بن مغفل) يقصد بالأذانين: الأذان والإقامة.
فصلاة ركعتين إذن بعد الأذان وقبل الإقامة مشروعة ومستحبة فإذا صلاها بعض الناس في وقت المغرب فلا بأس بذلك. كما أن من دخل المسجد له أن يحييه بركعتين.
ولكن إذا كان من عادة الإمام أن يصلي بعد الأذان مباشرة، ولا يترك فسحة لصلاة ركعتين، فتكون صلاة الفرض -بهذه الحالة- كافية عن تحية المسجد.
إن تحية المسجد ليست مطلوبة من المسلم إلا إذا دخل المسجد ووجد فسحة من الوقت قبل الإقامة، فبدل أن يجلس يصلي تحية المسجد. أما إذا دخل ووجد الإمام يصلي، فليدخل معه في الصلاة، والفرض ينوب مناب تحية المسجد في هذه الحالة.
هاتان الركعتان تعتبران بالنسبة لمن يدخل المسجد تحية للمسجد أما بالنسبة للجالس فيه، ثم يقوم ليصليهما، فتعتبران نافلة له مستحبة.
والإمام، ينبغي ألا يلزم نفسه بصلاة هاتين الركعتين دائما، بل عليه أن يصليهما في بعض الأيام ويدعهما في البعض الآخر، لأنه ليس مشروعا أن يواظب المرء على المستحبات حتى لا يظنها الناس مؤكدات، خاصة إذا كان إماما من أهل العلم الذين يقتدي بهم الناس.
وقد أيد المحققون من العلماء أن يترك الإمام هذه المستحبات أحيانا خشية أن يعتقد الناس وجوبها.
بل قالوا بجواز ترك السنن المؤكدة أحيانا لنفس الغرض، كما استحب الإمام مالك، بالنسبة لصلاة الصبح من يوم الجمعة، أن يترك الإمام قراءة سورة (السجدة) -وهي من السنن الواردة- بعض الجمع حتى لا يعتقد الناس وجوب قراءتها في مثل هذا الوقت من كل جمعة.
وقد لاحظت بنفسي في بعض البلدان أن الناس يظنون السجدة في صباح الجمعة واجبة، ويقولون: إن صبح يوم الجمعة فيه ركعة بثلاث سجدات، واعتبروا أنه لابد من أداء هذه السجدة في صلاة الصبح من يوم الجمعة، وقد أنكروا على إمام اعتقد خلاف ذلك واعتبروا أن الصلاة غير صحيحة بدون تلك السجدة.
ولهذا استحب الإمام مالك وغيره أن يترك الإمام المقتدى به بعض المستحبات في بعض الأحيان حتى يعلم الناس الحكم وكذلك بعض الرواتب حتى يعلم الناس أنها غير واجبة.
وإذا كان جمهور المصلين لا يريد أن يصلي هذه الصلوات، كالركعتين بعد أذان المغرب وقبل الإقامة مثلا، لأنهم عاجلون مشغولون، فعلى الإمام ألا يخالفهم، وإذا أرادوا أن يصلوهما فليوافقهم، لأن المفروض أن الأقل يتبع الأكثر. ولا ينبغي أن يجعل هذا الأمر مدعاة للخلاف في المسجد ما بين مؤيد ومعارض، فليست المساجد لمثل هذه الخلافات، وإنما جعلت الجماعة، لتتآلف القلوب، وتتعارف الوجوه، وتتصافح الأيدي، ويتحاب الناس، ويتعاونوا على البر والتقوى، فهذا من الأهداف الكبرى التي شرعت لها صلاة الجماعة في الإسلام.